استفحلت ظاهرة نهب العقار بالجزائر بشكل غريب وخطير جدا في السنوات الأخيرة، وأصبح هذا الميدان حكرا على "الأغنياء الجدد" أو "أثرياء الأزمة" وأطراف معروفة في الأعمال المشبوهة، بغرض تبييض الأموال، بعد أن أصبح العقار بالجزائر بمثابة "بنك افتراضي" لأصحاب الشكارة، لـ"ضمان" أموالهم، بدل البحث عن تبييض أموالهم ببنوك جزر الكراييب المعروفة في هذا المجال، في حين استغلت بعض الأطراف "سلطتها" لنهب هكتارات من الأراضي "الذهبية" باسم الاستثمار والقانون مقابل أسعار رمزية وبحماية "غير بريئة"، في حين يتعرض فيه مواطنون بسطاء لسلطة القانون في هذا المجال، من خلال تهديم منازلهم بحجة التعدي على العقار، في وقت يتم فيه حماية قصور "الب?ارة" بطرق مشبوهة وتحمل الكثير من التساؤلات.
طردت منشآت المنفعة العامة إلى أماكن معزولة
مافيا العقار تتحدّى الدولة وتمنع إقامة مشاريع عمومية بالجلفة
عرفت ولاية الجلفة استنزافا كبيرا للعقار بعدما بسطت ما يسمى "مافيا العقار" سيطرتها في غياب أدنى ردع من طرف الجهات الوصية، وأصبحت العديد من الجيوب العقارية "ملك" لأشخاص من ذوي النفوذ يستحوذون على أراضي "شاسعة" بدون أية وثيقة قانونية تثبت امتلاكه، على حساب مساحات خضراء ومساحات لعب وأراض مخصصة لمشاريع الدولة، إضافة إلى عقارات عمومية ومعالم تاريخية كانت ملكا للدولة وأصبحت ملكا لخواص.
الاستثمارات المحلية بعاصمة الولاية بكل من حي الحدائق وحي بوريفيس، إضافة إلى المخرج الشمالي لعاصمة الولاية لا تزال تحمل أكثر من علامة استفهام مع بقاء الوضعية نفسها والعقار محاط بسور، لكن الاستثمار لا يزال مؤجلا رغم أن هناك من تجاوز 10 سنوات، بتشغيل الشباب، كما تم منح عشرات الهكتارات في إطار تشغيل الشباب من اجل استثمارها كحظائر للسيارات، إلا أن هذه الهكتارات الممنوحة تم استغلالها فيما بعد وتحويلها إلى نشاطات أخرى لا علاقة لها بالاستثمار، ولا تزال "مهزلة" بناء مسجد بحي الفوج الرابع ببوتريفيس، بعدما تمت الموافقة على مشروع المسجد مبدئيا من طرف رئيس البلدية في مراسلة موجهة إلى رئيس الدائرة تحت رقم 742 بتاريخ 18 أفريل 2005، تشير إلى الموافقة المبدئية على ذلك شرط توفر الأرضية اللازمة لذلك والمراسلة الصادرة عن مصلحة الإرشاد والشعائر والأوقاف تحت رقم 83/2006 موجهة إلى رئيس البلدية تضمنت التماس الموافقة على تخصيص القطعة الأرضية حتى تكون قاعدة لمشروع المسجد المقترح.
وكذا المراسلة الموجهة لمديرية أملاك الدولة بالجلفة تحت رقم 803/2008 مؤرخة في 13 فيفري 2008 أكدت ردا على مراسلة أخرى لمديرية الشؤون الدينية مؤرخة في 4 فيفري 2008 تحت رقم 84 بأن الجزء الأكبر من هذه الأرضية ينتمي للقطعة رقم 95 من مخطط التجزئة القديمة لمدينة الجلفة التي تعود ملكيتها للدولة، والجزء المتبقي ينتمي للقطعة رقم 100 التي تعود ملكيتها للبلدية، غير أن القطعة الأرضية أصبحت "بقدرة قادر" ملكا لأشخاص منحتها لهم الوكالة العقارية.
تحويل مساحة للعب الأطفال إلى مخبزة "وهمية"
مساحة اللعب التي كانت تتوسط حي أول نوفمبر ببلدية فيض البطمة بالجلفة، والتي تم اعتمادها من قبل المجلس البلدي سنوات الثمانينات بمداولة رسمية لتكون ساحة للعب الصغار ولفائدة شباب الحي كفضاء ترفيهي، إلى غاية نهاية التسعينيات، أين تم منح شطر منها لاعتماده كمخبزة في إطار الاستثمار المحلي وكان ذلك بمداولة رسمية من قبل المجلس البلدي المنتخب سنة 1997، ليتنازل صاحب المخبزة لشخص آخر عن مساحة الاستثمار، وهناك ظهرت الأطماع جلية للاستحواذ على المساحة الكبيرة المتبقية، وكان رد رئيس الديوان السابق سريعا، عبر إرسالية تحمل رقم 126ش د 12/04 مؤرخة في 22 جانفي 2004 على شكوى للمطالبة باسترجاع قطعة الأرض، يؤكد فيها الرئيس بأنه قد تم الإطلاع على القضية وبعد دراستها تم تحويلها إلى مصالح دائرة فيض البطمة، وهنا تم "دفنها".
السلطات عجزت عن استرجاع الأراضي "المغتصبة"
كما عرف عقار بلدية مسعد خلال السنوات الأخيرة استنـزافا كبيرا لدرجة أن العديد من المشاريع التنموية ظلت تراوح مكانها، وظلت حبرا على ورق بعد أن وقفت الجهات المعنية على عدم وجود أماكن شاغرة لتجسيدها، كما هو حال الثانوية التي تم بناءها فوق جبل على طريق تقرت بعيدا عن التجمعات السكانية، هذا الوضع رهن العشرات من مشاريع الدولة التي لا يزال البعض منها مجرد حبر على ورق على إثر انعدام العقار لتجسيدها، وهو ما كان وراء رفع دعاوى قضائية من اجل استرجاع هذا العقار ومن ذلك مشروع الطريق الرابط ما بين طريق تقرت والمدخل الشمالي للمدينة الذي لا يزال يراوح مكانه، ونفس الأمر بالنسبة لمشروع حديقة عمومية بحي القدس الذي توقفت به الأشغال، زيادة على إنجاز مشاريع سكنية بعيدا عن المدينة جراء هذه الوضعية الكارثية، إضافة إلى منح عقارات كانت موجهة لمشاريع الدولة مثلما حصل في مدخل المدينة.
"المؤمّمون الجُدد" يستحوذون على محتشدات فرنسا ومراكز تعذيب المجاهدين
المعالم والآثار التاريخية التي ظلت شاهدة على تاريخ المنطقة، لم تسلم هي الأخرى من سطوة الاستحواذ وتحولت من إرث تاريخي إلى ملكية خاصة، وهو ما حدث ببلدية حاسي بحبح، حيث انتفضت الأسرة الثورية ببلدية في وقت سابق عبر شكوى عاجلة وجهت إلى رئيس الجمهورية، يطالبون فيها بحماية المعلم التاريخي، بعد أن استولى عليه أحد الأشخاص، بعدما اتخذته القوات الفرنسية الخاصة رقم 38 محتشدا ومركزا لتعذيب مجاهدي المنطقة، وكان المعتقل مسرحا لاستشهاد العديد من المجاهدين، غير أنه تم الاستيلاء على المعلم بالادعاء أنه تابع للتعاونية الفلاحية المتعددة الخدمات في قفز على قوانين الدولة خاصة القانون المؤرخ في 04 يوليو 1990 المادة 160 مكرر / 15ـ 90 التي تحمي المعالم التاريخية أو تحويلها، ليتم تسجيله باسم تعاونية فلاحية "شخصية" متعددة الخدمات، بعد أن امتدت إليه الأطماع.
اغتصاب عقار يخص الذاكرة الشعبية للجزائريين بسكيكدة
هكذا ابتلع مسؤولون عقارا استشهد فوقه 1500 شهيد
مازال السكيكديون ينظرون بعين الحسرة والألم، للمشروع السكني الترقوي الواقع بحي مرج الذيب، فوق أرضية ملعب 20 أوت 1955 بقلب المدينة، الملعب الذي يحتضن في محيطه المئات من شهداء ثورة التحرير الكبرى، من أباء وأجداد الآلاف من سكان روسيكادا، ويتألم السكيكديون عندما يعلمون أن المستفيدين من هذا المشروع السكني، الذي اختيرت له أرضية فوق أو غير بعيدة عن رفاة ما يزيد عن الـ1500شهيد من أبناء المدينة، من الذين دفنتهم همجية الاستعمار الفرنسي وأغلبهم أحياء يرزقون بعد أن قامت بتاريخ 23 أوت من عام 1955 بجمعهم في نفس المكان الذي يحوي الآن 44 سكنا ترقويا خاصا بالإطارات والمسؤولين والبرلمانيين والمديرين التنفيذيين، الذين شرعوا في بيع السكنات التي استفادوا منها ضمن هذا المشروع بما يزيد عن الملياري سنتيم وأكثر، كون غالبيتهم من خارج الولاية.
وكان جنود المستعمر الفرنسي، بقيادة المجرم بول أوساريس، الذي يعترف في مذكراته بأنه قاد عمليات إجرامية بشعة في حق السكيكديين، منها إبادة نحو خمسة آلاف مواطن بالمكان المسمى حاليا مقبرة الزفزاف الواقعة بالمدخل الغربي لعاصمة الولاية سكيكدة، جمعوا ما يزيد عن الـ1500 شخص من أبناء سكيكدة في ذلك الوقت بملعب 20 أوت حاليا ملعب فيليب فيل سابقا، الذي يضم هذا المشروع السكني الفاخر ودفن غالبيتهم أحياء في خندق كبير باستعمال جرافة، كانت إلى وقت قريب لا تزال شاهدة على هول وبشاعة هذه الجريمة، ويعتبر السكيكديون هذا المشروع السكني بالجريمة الكبرى في حق الذاكرة التاريخية الجزائرية، وبالاعتداء الخطير والمساس بأرواح الشهداء والتعدي على حرماتهم.
وسبق لـ "الشروق" في شهر جويلية من عام 2011 أن انفردت بأسماء المستفيدين من شقق هذا المشروع المشيّد على أرضية ملعب 20 أوت 1955، وبتفاصيل مؤلمة في هذه الفضيحة، التي تسببت وقتها في تحرك عدة جهات سكتت بعدها بوقت قصير جميعا لأسباب غامضة ومجهولة، إذ تواصل بناء المشروع المكون من 44 سكنا ترقويا من صنف 4 و5 غرف بصورة عادية وتم تسليم المستفيدين عقود الملكية.
ولا يزال السكيكديون يطالبون بضرورة إنهاء هذه المهزلة والعمل على تحويل هذا المشروع السكني التجاري إلى نادي للمجاهدين أو مشروع آخر تحفظ فيه الذاكرة الوطنية في شكل متحف أو غير ذلك، ويتأسف المئات من سكان سكيكدة كون الجهات المسؤولة على انجاز هذا المشروع اختارت هذه الأرضية دون غيرها وكأن سكيكدة بشساعتها خلت من الوعاءات العقارية.
منح هكتارات بالدينار الرمزي باسم الاستثمار
نهب العقار لتبييض الأموال والمضاربة بالأسعار في ولايات الغرب
غيّبت مافيا العقّار على مستوى الغرب، كلّ القوانين من أجل الحصول على قطع أرضية لتبييض الأموال والمضاربة في البيع أو تشييد سكنات لتأجيرها، إلى درجة أنّ الأسعار ارتفعت إلى مستويات خيالية، بسبب تداول أصحاب الشكارة والنفوذ لعمليات البيع والشراء تحت الطاولة.
لا تزال العديد من قضايا الاستيلاء على العقار من المحرمات المسكوت عنها، خصوصا بالولايات الساحلية غرب البلد التي ترتفع فيها أسعار العقار، فبوهران على سبيل المثال تنتشر ممارسات فاضحة بخصوص نهب العقار من قبل أصحاب المال ورجال الأعمال وذوي النفوذ وتشيّد الفيلات والعمارات والمحلات التجارية، في ظلّ صمت رهيب عن طريق التدليس والتلاعب بالقوانين، امتدادا لما عرفته الولاية من إحكام لعصبة من أصحاب الشكارة والسلطة في السنوات السابقة.
وبالبيض دخلت عمليات النهب العقاري مرحلة جديدة، بعدما فضحت نتائج مداولات اللجنة الولائية لتحديد الموقع لترقية الاستثمار (الكالبي راف) استفادة بارونات مالية من مئات الهكتارات باسم الاستثمار بالدينار الرمزي، ويتعلق الأمر بأربع متعاملين أودعوا ملفات فتح العيادات والفنادق والمراكز الاجتماعية، ناهيك عن عمليات مماثلة شملت عقارات منحت باسم الاستثمار الفلاحي بمنطقة طريق المطار والذراع لحمر ويتحايل أصحابها باسم القانون للاستفادة من 150 تنازل في إطار الامتياز، وحسب مصدر أمني فإن الأمر يتعلق بإطار متقاعد، وعدد من المنتخبين من بينهم نائب سابق بالبرلمان، ناهيك عن عدد من مديرين سابقين من الوكالة العقارية، قاموا بنهب كل الجيوب العقارية المتواجدة بوسط المدينة على حساب وضعية عمال الوكالة العقارية الذين حرموا من رواتبهم الشهرية لأكثر من 7 شهور.
تهديم بيوت "الزوالية" ومنتجعات "الب?ارة" خارج القانون
وفي ذات السياق، طالب عدد من المتضررين من قرارات هدم سابقة طالت بنايات تعرضت للتصفية العقارية، لأسباب تتعلق بغياب رخص بناء وأخرى نتيجة شكاوى مختلفة قدمها مواطنون، بتعميم القرار على أصحاب نفوذ توقفت جرافات الهدم عندما وصلت مساكنهم، في إشارة منهم إلى 7 بنايات كانت مبرمجة في عملية الهدم ببلدية بوقطب وأخرى بمدينة الأبيض سيد الشيخ ثم فرملت، حيث تفيد التقارير المختلفة والتي تحوز"الشروق" على نسخة منها، بأن قرارت الهدم السابقة شملت عقارات تابعة لنائب سابق استولى على مساحة تقارب 10 هكتار، بالإضافة إلى تهديم توسعة على حساب محيط غابي تابعة لأحد الخواص، أما ببلدية البيض، فقد تم الاستيلاء على أكثر من 50 عقارا بالمنطقة المحاذية لحي أولاد يحيى، في حين تمس العملية أكثر من 14 وعاء عقاريا ببلدية الأبيض سيدي الشيخ.
ارتفاع بنسبة 25 بالمائة
تبييض الأموال ألهب سوق العقار بالشلف
وبالشلف، ارتفعت أسعار العقار بشكل مُذهل خاصة في المدن الكبرى كعاصمة الولاية، الشطية، بوقادير، تنس الساحلية، ووادي الفضة إذ تتراوح الزيادة حسب بعض التقديرات ما بين 15 و25 في المائة، بسبب تكاثر الأسواق العقارية وتدفق الوسطاء والسماسرة على المدن المذكورة وجنوح تجار الأنشطة غير الرسمية إلى تبييض أموالهم في شراء عقارات بأثمان مرتفعة.
وقد عرف هذا القطاع تحولات جذرية في ظل لجوء العديد من المستثمرين إلى العمل في العقار، بحيث حوّلوه إلى نشاطهم الأساسي، وظهور فاعلين جدد يضعون مدخراتهم في العقار، ناهيك عن المضاربين الذين يتدخلون بقوة في القطاع، مادام ثلث السكان يشترون سكناهم عبر وسيط، كما تذهب بعض التقديرات إلى أن تجارة المضاربة غير المشروعة في العملة الصعبة، وسرقة الرمال والممنوعات وكراء الأموال بنسب فوائد معتبرة لعديد من الأشخاص المشتبه فيهم بذات الولاية، تدر على أصحابها أموالا طائلة، ويعتبر العقار أحد أوجه صرف هذه الأموال للحيلولة دون وقوعهم في فخ المساءلة.
ومن جهة أخرى، وحسب عديد الشهادات، قام بعض نواب الشعب في العهدات السابقة بالاستيلاء على عقارات شاسعة، أما بتيارت، فتجاوزت ظاهرة البناء الفوضوي مستوى إنجاز الأكواخ المغطاة بالزنك للظفر بسكن اجتماعي في أسرع وقت إلى بناء فيلات بطوابق دون الاكتراث لانعدام وثائق الملكية أو رخصة البناء، في ظل سكوت غريب للوكالة العقارية الولائية التي غالبا ما تقف عند مخالفات لا تتابعها.
والأغرب أن ما يتم إحصاؤه من بنايات عشوائية ويُعاين من طرف لجان من ضمنها ممثلون للوكالة العقارية الولائية لا يتم تهديمه بل يفتح المجال لأصحابه للتسوية، الأمر الذي شجع مزيدا من البناءات الفخمة التي تفتقد للحد الأدنى من الشرعية، والأكثر من ذلك أن مخططات مدن وقرى تغيرت بسبب مبان عشوائية..
ظاهرة التوسع العمراني الفوضوي أضرت بالمنظر العام للمدن والقرى، فقد أتت على مساحات خضراء وأغلقت الطرق، كما تسببت في نزاعات بين المواطنين، كحالة مشروع مسجد حي تزقة في تخمارت والذي استولى على جزء من مساحته مواطنون بجواره ولم تفلح اللجنة الدينية لوقف ما يجري بفعل تواطؤ المنتخبين والمصالح التقنية، ليبقى تحول قطع أراض عمومية إلى مجرد مرائب لأصحاب نفوذ أو مواقف سيارات عشوائية أو مفارغ عمومية، والمشكلة أن غياب النية في تفعيل القوانين وراء الكوارث.
ملاحظة:
..هذه بعض العيّنات لنهب العقار عبر عدد من الولايات، وستتطرق الشروق لاحقا إلى حالات وولايات أخرى بكثير من التفصيل والدلائل... قضايا للمتابعة.
منقول عن الشروق ...نتمنى استكمال التحقيق كما وعدت حتى لا يكون مجرد حملة خاصة ...ونتمى أن نفتح ملف العقار عندنا أيضا
ليست هناك تعليقات: