لأجل مثل هذه الثروة البيضاء احتلت فرنسا الجزائر في 1830 وليس من أجل الذهب الأسود...
1- من بين أهم الغايات التي لأجلها احتلت فرنسا الجزائر ، خيراتها الطبيعية التي لا تعد ولا تحصى. وبالتوازي مع التوسع العسكري كان المستعمر كلما بسط سيطرته على منطقة. أعد لها المخططات والدراسات لاستغلال ونهب ثرواتها. وتعاملت بحسب خصوصية كل منطقة( فعين تموشنت للكروم. تيارت للقمح. متيجة للحمضيات... الخ). وذلك بطريقة ماكرة كاللص المحترف الذي يعرف جيداً ما يسرق..
اما بالنسبة لمنطقة السهوب وبالتحديد مدينة عين وسارة حاليا.. بول غزال في عهد الإستعمار. وعند وصول المستعمر الفرنسي، مد الطرقات والسكة الحديدية وانجز الجسور و وبنى حتى مطار صغير لنهب خيرات المنطقة من الحلفاء واللحوم الحمراء ذات الجودة الرفيعة، وذلك بتنظيم محكم حيث أنجزت شبه مجمع بقرب من محطة القطار يحتوي على مخازن كبيرة لتجميع الحلفاء واسطبلات لتجميع المواشي، ومذبح متطور آنذاك مرتبط مباشرةً بالقاطرات لتنقل كل هذه الثروات إلى ميناء الجزائر ليتم تحويلها إلى مرسيليا.. (تخطيط جهنمي من دولة سراقة وليست عظمى).
لقد كانت لصوصية ممنهجة بمشاريع ذكية وفعالة في بداية القرن الماضي.
وللأسف وفي عهد الاستقلال تخلينا عن الفكر الاقتصادي المبني على تثمين مقدرات البلاد واتجهنا إلى إقتصاد البازار المبنى على الاستهلاك وفقط.
وحتى في عين وسارة تعطلت تلك الهياكل كلها وأصبحت لا تملك لا قطار ولا حلفاء، والأدهى من كل هذا انها فقدت حتى مذبحها البلدي الوحيد. ضاع كل شيء مع الاقتصاد الريعي المبني على مداخيل النفط.
2- هل لنا أن نعيد تجربة المستعمر اللص اليوم لصالح الاقتصاد الوطني الجديد؟ فالأمر لا يتطلب الكثير مع وجود مشروع جديد لسكة الحديد يمر وسط مشروع الحظيرة الصناعية الجديدة 400 هكتار. ويبقى الأمر متوقف على مدى استعداد المستثمر الخاص والعمومي للتوجه لمثل هذا القطاع الاستراتيجي، خاصة إذا علمنا بغياب روح الإستثمار الحقيقي المبنى على المخاطرة والنفس الطويل لدى الأغلبية وبروز الاستثمارات المريحة والربح السريع.
نتمنى تغير هذه الذهنيات والتوجه إلى استثمار المواطنة. ليعم الربح على الجميع (المعني . الدولة. المواطن بمناصب شغل).
خاصةً وان المناخ اليوم مشجع لذلك فلقد أدرك السيد الرئيس عبد المجيد تبون هذا الوضع وأصدر أوامر لتشجيع مشاريع التحويلات الصناعية بنسبة تمويل 90 % مع أولوية منح العقار الصناعي. وهنا أود أن أذكر بالمشاريع الذكية والواعدة كالمذابح الصناعية المدمجة مع ملحقات للتحويل وتعليب اللحوم الحمراء.. والعبرة بما فعله المستعمر منذ قرن من الزمن.
3- وستساهم هذه الاستثمارات حتما مستقبلاً في التوجه نحو التصدير إلى الخارج.. وضبط الأسعار بالسوق المحلية .
هذه الأخيرة تتطلب كذلك نظرة جديدة في سياسة الدعم. وتغيرها من الطريقة الغير مباشرة (مادة الشعير للموالين ) إلى الدعم المباشر للمستهلك. باستغلال مثلاً آلية وهياكل الديوان الوطني للحوم..لوضع أسعار مدعمة. وذلك لتفادي الاختلالات الموجودة في سلسلة الإنتاج في هذه المادة الحيوية. والتي راح ضحيتها الموال الحقيقي والصادق. لذا وجب التشخيص الدقيق لكشف المضاربين وموضع الفساد حتى إذا ضربت الدولة كما توعدت تعرف أين تضرب.. وبقوة..
إن الموال الحقيقي اليوم يعاني واعتبره ضحية هذه العصابات مثله مثل المواطن المستهلك. ولا تجد اسمه لا في قائمة تعداد رؤوس الأغنام ولا في قائمة دعم الشعير.
يجب النظر إلى هذه الشريحة بعين الرأفة والتقدير وكيف لا وهي التي وصفتها حتى النعجة (في ثقافتنا الشعبية).النعجة تقول.. حليبي زبدة وصوفي لبدة وما يكسبني كان حنين الكبدة..
لقد كانت هذه الثروة عند أجدادنا عزيزة وتمثل لهم محرك حياتهم الاقتصادية والاجتماعية حتى سموها.. بالمال..
عن أبي سعيد الخذزي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم... (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم، يتبع بها شعف الجبال و مواقع القطر يفر بدينه من الفتن). رواه البخاري
4- نتمنى أن تثمن هذه الثروة البيضاء وتصبح المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد الوطني.. كما كانت عند اسلافنا محرك لسوق المال..وللروابط الاجتماعية.
ليست هناك تعليقات: